صورة

مـا التوحــد حقــاً ؟

بقلم : الدكتورة / فهدة بنت عبدالعزيز الفرحان آل سعود

معظــم ما يقال للأهـل عن طيــف التوحــد ليس دقيقــاً أو مفيــداً مع الأسـف وبالتأكيــد أن من قام بتشخيص ولدك قد أخبــرك عن أعراض طيف التوحد… وكيف أن سلوكيات ولدك تطابق هذه الأعـــراض … لكني لا أتحدث عن الأعــراض.. أنا أتحدث عن الجانب المركــزي والمحيــر في أصل معنى وتفسير طيف التوحد.

أغلب مدارس العالم المتخصصة تتحدث عن التوحد أنه اضطراب سلوكي، وبناء على ذلك تميل هذه المدارس إلى التركيز على تغيير هذا السلوك المضطرب، والمعالجون يسألون كيف نقضي على هذه السلوكيات الغير مرغوبة وكيف نعلمه سلوكيات أخرى مرغوبة.

ولكن اذا كان اضطراب سلوكي فمن أين مصدره وماهي اسباب هذه السلوكيات؟ اذا كان هذا الاضطراب في الاصل اضطراب اجتماعي – تواصلي – فاذا السلوكيات أعراض وليست أسباباً.

فإذا رأيت شخصاً مصابا باضطراب التوحد يحك ذراعه ووضعت لنفسك هدفاً لإزالة سلوك الحك لديه فهناك طرقاً في ذلك. بأن تقول له “توقف عن الحك” ، وقد تهدده بعواقب لا تحمد عقباها إذا استمر في الحك، وقد تشتت انتباهه بشيء آخر في يده، و قد تربط ذراعه إلى جسمه فلا يستطيع الحك….أو قد تبحث عن سبب الحك ربما تكون بعوضة قد قرصته وعندما تضع له مرهماً ينتهي السلوك…

نجد ان مصاب اضطراب طيف التوحد يقوم بهذا السلوك.. إذا واجهتك سلوكيات من مصاب باضطراب طيف التوحد أياً كانت هذه السلوكيات فابحث في خمسة أهداف أو أسباب إما أن يكون لديه نشــاط زائد أو اسـتثارة ذاتيــة أو لجذب الانتبـاه أو للهـروب من تنفيــذ أمر أو أســباب ملموسة وحسية كأن يكون مريضاً أو به ألم فيبكي أو يصرخ أو ……الخ فسوف تجد تفسيراً لها .. أو قد يجتمع أحد هذة الأسباب مع رد الفعل للبيئة المحيطة به كالشخص الذي يقوم بسلوكيات عدوانية تجاة الاخرين على صورة عضة أو صيحة أو قرصة فربما يكون يلفت الانتباه ويجذب أنظار الاخرين او للهرب من تنفيذ الاوامر نظرا لخوفة الشديد فالعدوانية دائما تصدر من شخص ليس لدية سلام داخلي والخوف يجعل ردود الافعال في المواقف خطأ ويثبت الآفكار ويمنع مرونه التفكير ويؤدي الى اضطراب الجانب الإجتماعي …و هذه السلوكيات إما رغبة في الانضمام لعالمنا أو رفضاً للانضمام له.

 

ولذلك الأشخاص من ذوي اضطراب طيف التوحد يحتاجون منا “التواصل” والدخول لعالمهم ، وبما أنه اضطراب تواصلي اجتماعي وأصل السلوكيات لدي المصابين بهذا الاضطراب الخوف والقلق الدائم فعلى من يعيش معهم أن يعمل علي بناء الثقة بينه وبينهم، و ايجاد لغة مشتركة واحدة تتضمن المشاركة بالمشاعر والتحديات والاماني، والابتعاد عن اعطاء الاوامر والنواهي والتعليمات للقضاء على السلوكيات الغير مرغوبة حتى لا تتمزق الثقة التي هي أهم المدخرات للمساعدة على التقدم ، والحل للقضاء على هذه الاضطرابات السلوكية بسيط ومتدرج…..فكل سلوك لابد أن يتبعه معرفــة وفي كل خطوة من خطوات المعرفة التي هي (أن يتعرف – أن يطابق – أن يفرز – أن يختــار – أن يعمـم – أن يسـمي)  نقدم التسـامح ولا يــرى منا مصاب اضطراب التوحد إلا الحنـان والعبارات المطمئنة بنبرة صوت هادئه..

والمعرفة للاشخاص المصابين باضطراب طيف التوحد مهمة الا أن كل المعارف إن لم تقترن بمهارات هنا تصبح لا قيمة للمعلومة، إربط بين المعلومة كونها معرفة وبين توظيفها في الحياة، ركز على المعلومة التي إن لم يتعلمها الشخص المصاب باضطراب طيف التوحد تصبح حياته في خطر كالأمن…ثم المعلومات التي تلبي احتياجاته اليومية من طعام أو شراب وحمام …. ثم المعلومات التي تساعدك على التواصل كالملاحقة البصرية والسمعية، مع الحرص على ضبط انفعالاتنا ونبرات أصواتنا ..ومراعاة أنه إذا أخذت طفلاً صغيراً في الخامسة من عمــره مصاب باضطراب طيــف توحد وغلاماً في السـادســة عشــرمصاب باضطراب طيف التوحـد أيضا فلن تجد سلوكاً واحداً مشتركاً بينهما رغم أنهما يجمعهما طيف التوحد، بل أن كلاهما يعاني من صعوبة في التواصل وإجراء اتصال بصري وقراءة الإشارات والحركات غير اللفظية والتعامل مع الناس والمواقف الاجتماعية وقبول مستويات عالية من التنبيه الحسي والمرونة إزاء الظروف المتغيرة ورغبات الآخرين واهتماماتهم فكلاهما له اهتمامات مختلفة وغالباً ما يغفلان عن اهتمامات الآخرين.

فكثيـراً ما يطرح هذا السؤال (ما الذي عليَ أن أقوم به لتغيير سلوك طفلي؟) هل من الممكن أن نغير طريقة السؤال(ما الذي ينبغي لي عمله لخلق علاقة مع طفلي؟) إذا غيرنا طريقة السؤال تغير كل شي أمامنا، عليك أن تبدأ بالتركيز على القيام بأفضل ما يمكنك – أنظر للعالم من خلال عيني ولدك.

 

أنا لا أطلب منـك أن تكون محللاً نفسـياً، أنا أتحدث عن التخيـل في كل تفاعل تجربــه مع ولدك كيف يراه ويشعر به، عندما تقوم بإيقاف ولدك عن سلوكياته النمطية، كيف سيشعر هو أو هي، وعندما تأخذ ولدك إلى منتزه صاخب، وتراه يغطي أذنيه، ماذا تعتقد الموقف بالنسبة إليه؟، وعندما تراه مستغرقا في تمزيق ورق إلى قطع صغيرة. مالذي تعتقده في هذه التجربة بالنسبة له؟…نريد التركيز فيما يقوم به أولادنا وكيف نبني رباطاً وعلاقة معهم، فإذا ركزنا على توقف السلوك فكأننا نعقد صفقة مع مصاب اضطراب التوحد..كأننا نقول له (لابد أن تمتنع عن الأشياء المحببة إليك وتفعل الأشياء المكروهة لديك…….).

لقد حان الوقت لكي نصبح تلاميذ في عالم ابناؤنا المصابين بهذا الاضطراب . نفكر في أن يقودنا إلى عالمهم وندخل معهم في عالمهم نلعب معهم كما يحب أن يلعبون.. هدفنا أن ندخل عالمهم.. والطفل أو الشاب المصاب باضطراب طيف التوحد هو الذي سيقودنـا إلى عالمـه ما دام لم يسمع  الأمر والنهي المستمر (ندخل إلى عالمه ثم نريه نحن طريق الخروج).

د فهده بنت عبد العزيز الفرحان آل سعود